القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير logo لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
shape
شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
70907 مشاهدة print word pdf
line-top
رؤية الله تعالى في الدنيا المتحقق منها وغير المتحقق

...............................................................................


وعلى آله وصحبه أجمعين ذكر الشيخ في هذه الوصية كلاما على بعض الأحاديث المكذوبة, وبعض الأقوال المفتراة التي يروجها المتصوفة في حق أكابرهم ومريديهم, وما يسمونهم: أبدالا وأقطابا وأوتادا, ويعتقدون فيهم الولاية -كما يقولون- ويرفعونهم حتى يفضلونهم على أنبياء الله ورسله, ويدعون أنهم يأخذون من المعين الذي يأخذ منه الملك, ويحملهم .. على أن يعبدوه, ثم يتعلقون بهم في الحياة الدنيا, فلان رأى ربه, وأنه ممن أطلعه الله على ذاته, وأنه وأن الله نزل واطلع أو تبدى لفلان من الأولياء, وما أشبه ذلك, ويقصدون بذلك أن ينخدع بهم أتباعهم حتى يعتقدوا في ساداتهم وفي أوليائهم.
وإذا أردنا .. الشريعة وجدنا أن الله تعالى احتجب في هذه الدنيا عن العباد, ومنع موسى من أن يراه في قوله: لَنْ تَرَانِي وإذا كان موسى لم تحصل له الرؤيا في الدنيا, فكيف تحصل لهؤلاء الذين يدعون أنهم أولياء؟‍‍‍‍‍ والله أعلم بحقائقهم.
وأما مسألة الرؤية فذكر الشيخ الخلاف في أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه ليلة الإسراء, مع أن الراجح أنه ما رآه، وفي صحيح مسلم عن أبي ذر سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- هل رأيت ربك؟ فقال: نور أنى أراه وفي حديث آخر: رأيت نورا وقد ورد أيضا في الحديث قوله -صلى الله عليه وسلم- إن الله لا ينام, ولا ينبغي له أن ينام, يخفض القسط ويرفعه, يرفع إليه عمل الليل قبل النهار, وعمل النهار قبل الليل, حجابه النور, لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه احتجب بهذا النور, ولو كشفه لأحرقت سبحات وجهه خلقه, فدل على أنه احتجب بنور, فلا يراه أحد إلا احترق.
لا شك أن هذا يفهم منه عظمة الله تعالى إلى هذا المقام، ويفهم منه أن المتصوفة الذين يدعون أن أولياءهم تكشف لهم الله, تكشف لهم, وتجلى لهم, وبرز لهم, ورأوه, يمدحونهم بذلك .. أنهم على ضلال؛ فلأجل ذلك ذكر الشيخ -رحمه الله- مسألة الرؤية لله, أما في الآخرة فإن الله تعالى يقوي عباده أهل الجنة, ويعطيهم من القوة ما يثبتون به أمام الرب تعالى إذا تجلى لهم, أمام تجلي الله تعالى لعباده, لا شك أن هذا أن أدلتهم واضحة، وأن الحكايات التي يروجونها كلها ليس لها أصل في الصحاح, ولو اشتهرت في مؤلفاتهم، وأن مبنى تلك المؤلفات على التخيلات ونحوها.
وأما رؤية الله في المنام فهذه قد تتصور, قد يتصور أن الله تعالى يرى في المنام, ولكن لا تدل على أن من رآه فإنه على تلك الصفة, وعلى تلك الكيفية, أي: لأن الله ليس كمثله شيء؛ ليس كمثله شىء, ولأنهم لا يحيطون به علما, ولكن المنام يتصور فيه صور وخيالات توهم أن هذا المرئي أنه هو الله, ونحو ذلك.
فذكر المعبرون في تفاسير الأحلام رؤية الله تعالى, ومنهم صاحب تعطير الأنام في تفسير الأحلام, أول شيء بدأ به الله تعالى في حرف الألف, وذكر من رأى أن الله رفعه, وأن الله تجلى له, وكذا وكذا, مما يدل على أن هذا شيء واقع, ولكن المتصوفة ما اقتصروا على رؤيا المنام, ورؤيا المنام قد وقعت حتى للنبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي ذكره شيخ الإسلام في قوله: رأيت ربي في أحسن صورة وذكر أنه وضع يده على صدره, قال: حتى وجدت برد أنامله هذه رؤيا منامية, ولا تدل على تمثيل, ولا تدل على أن الله على تلك الكيفية. والآن نستمع إلى كلام شيخ الإسلام.

line-bottom